الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

ما هو سبب فرح الاسلاميين في السودان بفوز حزب النهضة الاسلامي في تونس !!!؟؟

بمناسبة إحراز حركة النهضة في تونس تقدمًا مرموقًا في انتخابات المجلس التأسيسي مؤخرًا، سألت قناة الجزيرة المفكر البارز راشد الغنوشي زعيم الحركة، وأحد أهم رموز اﻹسلام السياسي في المنطقة، عن نظرته لشعار "اﻹسلام هو الحل"، فسارع الرجل لتعديل السؤال إلى: "أي إسلام"؟! ومن ثمَّ مضى إلى اﻹجابة مزيلاً أي حواجز بين اﻹسلام والحداثة والديمقراطية.
في هذا السياق قال الغنوشي: "ليس بالضرورة أن يكون اجتهادك أنت وتصورك للإسلام هو الحل، كأن تعتبر أنك حامل رسالة السماء، وميزان الحق والباطل، والناطق باسم اﻹسلام، ومترجمه اﻷوحد، فما أن تمسك بالسلطة حتى تشرع في فرض رؤيتك هذه على الناس، جاعلاً من اﻹسلام مشكلة، ﻻ حلاً! حركة النهضة ليست "كنيسة" لتقول هذا هو اﻹسلام. ترجمة اﻹسلام هي نتاج تدافع اجتماعي على مبدأ الحرية. الحرية مبدأ أساسي في اﻹسلام الذي هو دين موجه إلى اﻷحرار ذوي العقول. من ﻻ عقل له ﻻ حرية له وﻻ دين. نحن نثق في الناس، في عقولهم وحريتهم. ليس من مهام الدولة فرض نمط معين من الحياة، فتتدخل في ملابس الناس، وما يأكلون، وما يشربون، وما يعتقدون، وفي مساكنهم. وظيفة الدولة أن توفر إطارًا عامًّا للمجتمع يتعايش الناس فيه، ويبدعون، ويتعاونون، ويتدافعون، حتى يتبلور اﻹسلام لديهم كرأي عام وثقافة عامة. أما الإسلام الذي تفرضه الدولة بأدوات القمع فإن الناس يتفلتون منه. مَن يتدين خوفًا مِن الدولة منافق، ونحن ﻻ نريد أن نحول التوانسة إلى منافقين!" (برنامج "في العمق"، 31/10/2011 )
تجربة اﻹسلاميين السودانيين في الحكم معروفة، منذ انقلابهم على الديمقراطية في الثلاثين من يونيو/حزيران عام 1989م؛ فقد ظلت هذه التجربة تجري على خط مغاير لأطروحة الغنوشي والنهضة طردًا عكسيا. وقد تكفي اﻹشارة إلى أحدث مخاطبات الرئيس السوداني، في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أثناء حفل افتتاح مدينة رياضية بغرب أم درمان، حيث كان يُنتظر أن يستغل تلك المناسبة للإعلان عن خريطة طريق محددة تكفل انفلات البلاد من طوق اﻷزمات الخانقة التي أحاطت بها على خلفية انفصال الجنوب، وخروج النفط من قائمة موارد البلاد، وتدمير القطاعين الزراعي والصناعي بفعل السياسات الاقتصادية الخاطئة، وتفاقم الضوائق المعيشية، تبعًا لذلك في كل الوﻻيات، وانفجار اﻷوضاع اﻻحتجاجية في كسلا والقضارف ومناطق أخرى، وازدياد المهددات الحربية واﻷمنية في دارفور وأبيي وجنوب كردفان والنيل اﻷزرق، وغيرها.
 
لكن الرئيس نحا بدﻻ من ذلك منحى آخر، حيث دعا المواطنين إلى "الإكثار من الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، ﻷنها تغيظ الشعبيين (حزب الترابي) والشيوعيين"،  قائلاً إن نظامه "سيمضي في إقامة دولة إسلامية قوامها الشريعة، ومجتمع قرآني متكافل، متراحم، خال من الموبقات، متمسك بمبادئ الدين، ونابذ لدعوى الجاهلية والقبلية والعنصرية".. إلخ (اﻷهرام اليوم 3/11/2011م).
 
ما يهمنا إبرازه هنا، بوجه خاص، هو أن الغنوشي، سواء في حديث قناة الجزيرة المار ذكره  أو في غيره، لم يكتف بإضاءة النهج الذي ستعتمده حركته في إدارة الدولة والمجتمع، بل عبَّر بوضوح ﻻ يحتمل اللبس عن نقده لنهج أنظمة أخرى تلبست اﻹسلام، وقدمته في مستوى القهر ﻻ الحرية، والجبر ﻻ اﻻختيار، والتخلف ﻻ الحداثة، ففشلت أيما فشل، وأساءت بالتبعية، للإسلام ذاته في نظر المسلمين  قبل غيرهم.
 
ولن نكون غادرنا الحقيقة مقدار عقلة إصبع إن نحن أومأنا هنا إلى تجربة اﻹسلام السياسي السوداني في الحكم باعتبارها من التجارب الفاشلة التي عناها الغنوشي ليس فقط ضمن مقارنته المثيرة للجدل، التي اعتبرها الكثيرون في حاجة إلى توضيح،  بين الحركتين اﻹسلاميتين السودانية والتونسية إزاء هتين الهُويتين الوطنيتين، وإنما بإفصاح أكثر في العديد من أحاديثه اﻷخرى. وما لنا نتكبد مؤونة اﻻستقراء واﻻستنتاج ودوننا تقويم الرجل بنفسه للتجربة السودانية، لا بين يدي انتخابات 2011م التونسية فقط، وﻻ حتى بعد فوز حركته بها فحسب، بل قبل ذلك بكثير جدًّا، وفي أكثر من مناسبة، منذ مطالع ثمانينيات القرن المنصرم!
 وليتذكر الاسلاميين ان الغنوشي حين زار الخرطوم بدعوة منهم و شارك في ندوة في جامعة الخرطوم  قال في هذا الشأن إن ".. النضال من أجل الحرية هو من جوهر النضال من أجل الإسلام، وإذا اعتبرت الحركة الإسلامية أن الحرية ليست قضية جوهرية فذلك سقوط رهيب! والذي أخشاه أن تكون الحرية قضية (ظرفية) بالنسبة لنا، نطالب بها عندما يكون (الظرف) غير مناسب لنا. وهنا يكون السقوط الرهيب. إننا نطالب بالحرية للإنسان أيًّا كان" (محاور إسلاميَّة، ط 1989م، بيت المعرفة، ص 143). 
وبعد ثلاثين عاما من ذلك ها هو الغنوشي يعود ليقول ما ننقل عنه هنا بتصرف: إن فشل التجربة السودانية أمر واقع. وليس متوقعًا ممن فشل في إدارة الحوار في صلب جماعته أن ينجح في التوافق مع جماعات لطالما أعلن عليها الجهاد، ولم يدخر وسعًا في تخوينها، والتعبئة ضدها. وليس متوقعًا ممن أسس مشروعه على استبعاد الآخرين والانفراد بالسلطة، ونظّر لذلك ورتب عليه أمره أن يتراجع، أو يتحول إلى ديمقراطي يحترم حقوق الآخر! إن اتفاقية السلام لا تعني حسم الداء من أساسه طالما استمر الفشل في اقتسام السلطة مع بقية المكونات الرئيسة للبلد عبر الحوار. إن المشروع إﻹسلامي الذي كان يبشر بالحرية، والتجديد، والتأصيل لسلطة الشورى، والمؤسسة، والمجتمع المدني، تحوّل إلى حكم قامع ومستبد، يستأثر رجاله بالمناصب والمصالح لأنفسهم وأسرهم وأبناء قبائلهم، ويزاحمون على الشركات، والمشاريع التجارية. المشروع الإسلامي في السودان امتداد لعجز أصيل في تاريخنا السياسي عن إدارة الاختلاف سلميًّا، وعن عدم المسارعة إلى سيف الحجاج وأدوات الدولة العنفية لإقصاء الآخر (سودانايل، 26/12/2010م).
 
ﻻ يستطيع أحد، بالطبع، أن يماري في أن الغنوشي وحزبه وحدهم المسؤولون عن مدى النجاح الذي يمكن أن يصيبوه في المحافظة على طرحهم المفتاحي  ناصعًا ومقنعًا للمزيد من الجماهير المسلمة التي أولتهم، كما يمكن أن توليهم في المستقبل، ثقتها عبر صناديق اﻻنتخابات، وذلك من خلال ما يستطيعون إظهاره، في مستوى التطبيق، من اقتران وثيق بين اﻹسلام والديمقراطية والحداثة. 
 
ولعل الغنوشي قصد أن يُضمِّن حديثه المار ذكره وعيهم بهذه المسؤولية، واستعدادهم لتحملها، حيث حرص  على اﻻستناد إلى المنطق البسيط القائل بأنهم، إذا أرادوا تكرار حصد أصوات الناخبين في اﻻنتخابات القادمة، فإن ذلك لن يتيسر لهم، بطبيعة الحال، إذا ما تكشف مستقبلاً، أنهم يكذبون (قناة الجزيرة 31/10/2011م).
 
هذا، يقينًا، هو منطق من وطن نفسه على العمل من فوق منصات ديمقراطية، فإذا نجحت حركة النهضة عمليًّا في ذلك، فسوف تثبت أوﻻ أنه ﻻ وجود لنموذج إسلامي واحد متكرر ومتطابق، وثانيا أنها مغايرة للنماذج الفاشلة كنظيرتها السودانية، وثالثا أنها جديرة بثقة الناخبين "المسلمين" فيها، ورابعا أن فرحة الإسلاميين السودانيين بفوزها هي فرحة لا طائل من ورائها
 

هناك 5 تعليقات:

  1. مقال رصين ومميز..بالفعل الواحد بندهش من فرحة اسلامي بلادي بفوز الغنوشي و كأنهم هم الربيع العربي للسودانين

    و كما قال الغنوشي:النضال من أجل الحرية هو من جوهر النضال من أجل الإسلام، وإذا اعتبرت الحركة الإسلامية أن الحرية ليست قضية جوهرية فذلك سقوط رهيب.

    يا ريت يا استاذ محمد تضيف رابط مدونتك الي موقع دليل المدونات السودانية

    ردحذف
  2. شكرا على المرور الاخ وائل , و بالتاكيد من المستغرب ان تقارن حركة وجددت نفسها في السلطة ولم تتزوق مرارة ان تكون معارضة ولو مرة , ان تقارن نفسها بحركة فكرية لها مشروعها الذي عانت من اجله ما عانت من سجن و نفي و قتل و تنكيل و اقصاء و امضت عقود تعارض و وصلت للسلطة بصناديق الاقتراع لا صناديق (الزخيرة)
    و بخصوص اضافة الرابط سأفعل ان شاء الله

    ردحذف
  3. هذا الفرح يعكس الإرتباك الطبيعي لحركة بدأت تفقد الهوية تدريجيا منذ قررت قياداتها قيادة حكم ديكتاتوري حتى على النخب الإسلامية في البلد.

    هذه الحركة لم يعد لها هوية و لا مرجعية إلا مرجعية السلطة، هنا يجب على الإسلاميين في السودان أن يختاروا طريقا آخر لأن هذه العربة التي يركبونها حاليا محترقة لا محالة!

    راشد الغنوشي كذلك يبرهن على إمكانية وجود إسلاميين تحديثيين يقبلون بدولة المواطنة و الديمقراطية و الحرية، و لا يرون في تطبيق الإسلام رغم أنف الناس حلا بل مشكلة، و هذه الفئة هي التي ستكون قادرة على الحياة في المستقبل.

    ردحذف
  4. أخيرا أرجو منك مراعات كتابة إسم صاحب المقال عند النسخ

    ردحذف
  5. شكرا ع المرور اخ محمود
    المقال بقلم الاستاذ كمال الجزولي
    مشكور ع لفت الانتباه

    ردحذف